تذكرة


تذكرة

تطوير الذات يبدأ بمعرفتها .... فتعرف علي نفسك في جوانبها.

?????? ?? ???????

الجديد في المدونة

الإبتلاء- قصيدة رثاء - قصة واقعية - قصة نجاح غرويون - من وحي الساحة السياسية - الإسلام هو الحل - مهلاً أيها الشامتون - إعدام الدعاة في بنجلاديش إلي متى؟


فوائد من الشدائد
بقلم: د. محمود غزلان


في عام 1996م، حدثت أحداث حزب الوسط، واستغلَّها الإعلام أسوأ استغلال، حاول أن يصنع منها فتنة عمياء لا تبقي ولا تذر، ففتح علينا أبواقه ومدافعه بالأكاذيب والافتراءات والتحريض والإثارة، ففي كل يوم أخبار عن تمرد هنا وانشقاق هناك، وخروج المئات والآلاف على الصف نقمةً منه وانقلابًا عليه؛ حتى ظن الناس أنه لم يبق في الإخوان إلا النفر الذين يتولون القيادة فقط، وبعد فترة وضعت الحملة أوزارها، وانقشع الغبار عن الساحة، وتبيَّن أن الجماعة ثابتة راسخة- بفضل الله- وأن الخارجين عنها لا يزيدون عددًا عن أصابع اليدين، وقتئذٍ كتبت مقالاً بعنوان (فوائد من الشدائد)، متمثلاً قوله تعالى: ﴿وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ (البقرة: من الآية 216).






وقول الشاعر:


قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت ويبتلي الله بعض القوم بالنعم


واليوم وبعد ثلاثة عشر عامًا وعلى إثر اختلافات في الآراء والمواقف بين بعض قيادات الجماعة نتعرض لحملة أعتى وأقسى من الحملة السابقة؛ لأن عدد الصحف والفضائيات تضاعف عدة أضعاف، ولأن هناك مجموعة من الصحفيين والإعلاميين تخصصوا في شئوننا، بل إن هناك عديدًا من الباحثين والدارسين تخصصوا أيضًا في دراسة الحركات الإسلامية، وعلى رأسها جماعة الإخوان، ولكن معظمهم- للأسف الشديد- تخندق في خندق الخصوم ونظر إلينا بمنظار الكره والمخالفة، إن لم تكن العداوة والبغضاء؛ استنادًا إلى خلفيتهم العلمانية، ومن ثمّ جاءت أخبارهم عنا وتحليلاتهم لمواقفنا مصطبغة بمواقفهم الفكرية مفتقدة الحيدة العلمية متعمدة لتشويهنا.






والمراقب للصحافة والإعلام طوال الشهور القليلة الماضية يجد أخبارنا الصحيحة منها والمختلقة تحتل عناوينها، وتملأ أنهارها في تضخيم واسع للخلافات، وتحريض سافر على الشقاق وتصوير مشوه للواقع، الأمور التي أثارت القلق في الصف، والتساؤل لدى العامة، والألم النفسي لدى المحبين، ورغم ما سببه ذلك من عناء وشدة إلا أن الأمر لا يخلو من فوائد، ومن هنا كان هذا المقال بنفس العنوان (فوائد من الشدائد)، محاولة لتصحيح مفاهيم وترسيخ مبادئ وضبط قيم وتقويم سلوك وأخلاق، الأمور التي من شأنها أن تربط على القلوب وتثبت الأقدام وتحدد المواقف عند الشدائد والمحن.






لقد ربى الله تعالى المؤمنين في أتون الشدائد، فبعد غزوة أحد أنزل- سبحانه- أكثر من ستين آية يعلم المسلمين ويفهمهم ويربيهم ويقومهم ويربطهم بذاته وبدينه ويجردهم من التعلق ببشر ولو كان رسوله الأكرم صلوات الله وسلامه عليه.






وفي حادثة الإفك أنزل إليهم ما يطهر مشاعرهم وألسنتهم، وينظم مجتمعهم، وينظف بيئتهم، ويحفظ أعراضهم، وكذلك فعل في غزوة الأحزاب، الدروس التي لا يتسع لها مقام المقال.


ونحن نحاول أن نقتدي بذلك المنهج مع الفارق الكبير والبون الشاسع.






أولاً ما نريد أن يعرفه إخواننا أننا تجمع بشري، ولسنا مجموعة من الملائكة، وطبيعة البشر أن يختلفوا في الرأي والتفكير تبعًا لاعتبارات شتى ﴿وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾ (هود: من الآية 118)، وهذا مظهر من مظاهر الصحة ما دام ملتزمًا بالآتي: ابتغاء وجه الله والإخلاص له في هذا الخلاف، والرغبة في الوصول إلى الحق أو تحقيق المصلحة العامة، والتجرد من حظوظ النفس ورغبتها في الانتصار للرأي والتعصب له، والالتزام بآدب الحوار، والنزول على حكم الشرع فإن لم يوجد فعلى رأي الأغلبية وتبني هذا الرأي والدفاع عنه، واحترام اللوائح والوثائق المنظمة، والحفاظ على مشاعر الأخوة وعدم تغير الصدر من المخالفين في الرأي، وما أحسن قول أمير الشعراء في هذا المقام:


لقد تخالفنا والمعاشِرُ قد يخالفه العشير


في الرأي تضغن العقول وليس تضغن الصدور






وأخيرًا أن يبقى هذا الخلاف في نطاق المؤسسة الحاصل فيها حتى يحسم، أما أن يهرع كل صاحب رأي إلى الصحافة ليعرض رأيه؛ ليعلم الناس أنه صاحب رأي أو أنه مختلف مع إخوانه، أو أنه من تيار معين، أو يحاول الضغط على إخوانه بالإعلام للنزول على رأيه فهذا ليس من المبادئ والشورى والالتزام في شيء، ولو سألنا من يفعل ذلك هل تقبل إن نشب خلاف في بيتك أن يخرج ابنك إلى الشرفة ليذيع على الناس الخبر؟






فلا أعتقد أنه يقبل ذلك، أما التذرع بالشفافية في هذا الموقف فهي كلمة حق يراد بها باطل، لا سيما من أولئك المتربصين والمتصيدين والشانئين، ولقد حسم القرآن الكريم هذه القضية، قضية نشر الأخبار التي تضر ولا تنفع فقال: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً(83)﴾ (النساء)، والخلاصة أننا لا ينبغي أن ننزعج كثيرًا من خلافات الرأي ما دامت لدينا وسيلة حسمها.






وهذه الوسيلة إنما هي الشورى، وهي مبدأ إسلامي أصيل ليس في مجال السياسة ووسائلها فحسب، ولكنها منهج حياة، كيف لا والنبي صلى الله عليه وسلم كان كما يروي لنا أبو هريرة "ما رأيت أحدًا قط أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وكيف لا وقد أمر بها المولى تبارك وتعالى في أعقاب غزوة أحد؛ حيث كان من الممكن أن تُعزى نتائجها الأسيفة إلى الشورى، ولكن الله تعالى أنزل بعدها قوله تعالى: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾ (آل عمران: من الآية 159)، ووصف المؤمنين فقال ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾ (الشورى: من الآية 38)، فالشورى تخرج أحسن ما عند الجماعة من أفكار وآراء وما أحسن قول القائل:


رأي الجماعة لا تشقى البلاد به ورأي الفرد يشقيها


وقديمًا قالوا: (مشورة العاقل عقل ثانٍ).






فنحن- ولله الحمد- نسعى للالتزام بالشورى، والنزول على رأي الأغلبية في كل أمورنا، ولذلك فنحن نسأل: هل رأيتم جماعة مطاردة محظورة- من قِبل الحكومة- تحرص على الشورى، وتجري انتخابات وتخاطر وتضحي من أجل إقامتها؟ هل رأيتم في بلادنا حكومة أو مؤسسة ترفض تحقيق رغبة رئيسها؟ هل رأيتم انتخابات يخرج فيها بعض الكبار ذوي السبق والتاريخ والجهد والجهاد في سهولة ويسر؟ ولا نزعم أننا بلغنا الغاية أو وصلنا للمأمول في هذا المجال، بل إننا ندعو إخواننا في مجلس الشورى بل وخارج مجلس الشورى أن يقوموا بواجبهم الشرعي في تقديم النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وألا يقفوا موقف المتلقي السلبي بل أن يسهموا في تحديد السياسات، وتقويم المواقف والأعمال والأقوال، وتصحيح الأخطاء دون غضاضة ما دامت بالأسلوب الأخلاقي اللائق، فهم حماة المبادئ وحراس المسار فنحن جميعًا في سفينة واحدة، وعلينا نحن أن نوجد وسيلة وآلية لتفعيل الشورى بحيث تكون دائمة مستمرة للاستفادة من كل الآراء والأفكار.






والوجه الآخر للشورى هو الطاعة فما دام الرأي أقرته أغلبية أعضاء المؤسسة المنوط بها إجراء الشورى فلا بد للجميع أن ينزل عليه ويلتزم به، وهذا أيضًا مبدأ إسلامي أصيل، فالله تعالى يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ (النساء: من الآية 59)، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم "من أطاعني فقد أطاع الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني"، ويقول عبادة بن الصامت رضي الله عنه (بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره وعلى أثرة علينا...).






ويقول الفاروق عمر رضي الله عنه: "لا إسلام إلا بجماعة ولا جماعة إلا بإمارة ولا إمارة إلا بطاعة"، ولا يمكن لبناء جماعي أن يقوم، ولا لعمل جماعي أن يتم إذا فقد هذا الركن، ولا إذا كانت الطاعة في حال دون حال أو ظرف دون ظرف.






أعلم أن كثيرين يعيبون علينا هذا المبدأ، ويصفونه بالطاعة العمياء، وفي الحقيقة إن الطاعة عندنا إما أن تكون التزامًا بنص قرآني أو نبوي، وهنا تكون طاعة لله ورسوله، وإما أن تكون طاعة لقرار سبقته شورى، ومن ثمّ تكون طاعة مبصرة وليست عمياء، ثم إنه لا يوجد على وجه الأرض تجمع بشري إلا وتحكمه الطاعة بيْد أنها تختلف تسميتها من جماعة لجماعة، فالأحزاب تسميها الالتزام الحزبي، وكلنا نعلم أن من يخرج على قرارات الحزب الذي ينتمي إليه يتم التحقيق معه وعقابه الذي قد يصل إلى حد الفصل من الحزب، وسائر المؤسسات الأخرى تضع لوائح وتسن قرارات منظمة للعمل فيها وعلى جميع العاملين فيها أن يلتزموا بها، ومن يخالفها ينزل به الجزاء، وهذه كلها طاعة لا تختلف عن طاعتنا إلا في الاسم، وفي القصد، فنحن نقصد بذلك وجه الله أولاً ثم المصالح العامة ثانيًا، وهم يقصدون المصالح وحدها.

والدرس الكبير الذي نخرج منه أن الالتزام الصارم بالمبادئ واللوائح والقرارات هي القمينة بالوقاية من أي خلاف أو حسم أي خلاف في حال نشوبه، أما أن يتمسك كل صاحب رأي برأيه ولو خالف اللوائح أو خالف آراء الأغلبية، فذلك هو الهوى المدمر، وكما علمنا القرآن أن الهوى هو شرّ إله يعبد من دون الله ﴿أَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (43)﴾ (الفرقان)، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء برأيه"، ولقد علَّمنا أئمتنا الأبرار القاعدة الهادية وهي "أن رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب"، بل إن الإمام أبا حنيفة قال له رجل بعد أن سمعه يقول رأيًّا: أهذا هو الحق الذي لا ريب فيه؟ فرد عليه الإمام: والله لا أدري لعله الباطل الذي لا ريب فيه، ومن هنا وجب على كل واحد منا أن يتحلى بخلق التواضع فهو بشر يخطئ ويصيب، وحسبنا أن الله تعالى راجع رسول صلى الله عليه وسلم وهو من هو، راجعه في مواقف، وصوب له أفعالاً، بل إن بعض الصحابة رضوان الله عليهم راجعوه في مواقف، فتخلى عن رأيه ونزل على آرائهم، وهذه هي شيم الكبار لأن الحق والخير والمصلحة هي مقصدهم ومبتغاهم.

إن الإعلام تلقف هذه الخلافات، وراح ينفخ فيها بغية شق الصف وتمزيق اللحمة، وللأسف الشديد ساعده بعض أفراد كانوا منا في وقت من الأوقات، فزعموا أن الانتخابات كانت مزورة أو شابها تربيط، وهي افتراءات ساقطة، فالذي يعمل لله ويتقيه لا يتطلع إلى منصب ولا جاه، فالمناصب عبء ومسئولية ومخاطرة، وطالب الولاية لا يولى، ودين المرء منا بل رجولته تأبى عليه أن يلجأ لهذا الأسلوب الرخيص؛ كي ينجح في انتخابات أو يتبوأ منزلة على إخوانه ليس أهلاً لها، ويبدو أن هؤلاء الإعلاميين يقيسون الناس على أنفسهم أو على ما يحدث في الانتخابات العامة أو الخاصة في النقابات والمؤسسات فيتوهمون الإخوان مثل بقية الناس، وفي هذا المعنى يقول الشاعر:


إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه وصدّق ما يعتاده من توهم

أنا لا أحب أن أتكلم عن أشخاص ولكني مضطر إلى ذلك؛ لأن الإعلام يستطيع أن يصور الملاك شيطانًا، والشيطان ملاكًا، ويخلق صورة ذهنية لشخص أو جماعة وينطلق منها ويظل يكررها حتى يصدق نفسه ويصدقه الآخرون، ولقد فعل ذلك في حق الأخ الكريم الدكتور محمود عزت حتى يشوه صورته ثم يتوصل بها إلى تشويه صورة مكتب الإرشاد ثم الجماعة كلها، فوصفه الإعلاميون بأنه صقر، وأنه رجل حديدي، وأنه زعيم تيار المتشددين أو القطبيين، وأنه صانع المرشدين وأنه مرشد الظل.. إلى آخر الصفات التي خلعوها عليه، وهذا أسلوب وضيع للإساءة إلى الآخرين مثلما يصفون الإسلاميين بالرجعيين والظلاميين والجامدين، ويصفون أنفسهم بالتقدميين والتنويريين والمنفتحين، وهذا الأسلوب لا يمت إلى التحليل العلمي أو البحث الموضوعي بصلة، وأشهد الله أنني صاحبت هذا الرجل عقودًا عدةً فلم أجد منه إلا أطيب الخلق وأنبل السجايا والإخلاص لدينه ودعوته- ولا نزكيه على الله- والتواضع الجم والأدب المفرط والصبر الجميل المديد، وأنه لا هو صقر ولا هو حديدي ولا صانع مرشدين ولا زعيم لتيار، أما صفة القطبيين التي رددوها كثيرًا في الآونة الأخيرة- نسبة إلى الأستاذ سيد قطب رحمه الله- فنحن لا ننتسب إلى أشخاص أيًّا كانوا ومهما كان احترامنا لهم، بل إننا نرفض أن يسمى الإسلام الديانة المحمدية مثلما يفعل الغربيون وحسبنا أن سيدنا إبراهيم عليه السلام سمانا مسلمين ﴿مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ﴾ (الحج: من الآية 78)، ولقد اختار الأستاذ البنا عليه رحمة الله لنا هذه التسمية الموضوعية نسبة إلى المبادئ وليس إلى الأشخاص (الإخوان المسلمون)، والسرُّ في تكرار الإعلاميين هذه الصفة أنهم يهدفون إلى رمينا بأننا نكفر الناس، زعمًا بأن هذا ما يقوله الأستاذ سيد قطب- عليه رحمة الله- ونحن نرى أنه لم يكفر الناس، ولقد قرأنا كتبه ودرسناها ولم نقع في مزلقة التكفير، لأن عندنا أصولاً نرجع إليها فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول "من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما"، والإمام البنا يقول في الأصل العشرين من أصول الفهم: "لا نكفر مسلمًا أقر بالشهادتين وعمل بمقتضاهما وأدى الفرائض- برأي أو معصية- إلا إذا أقر بكلمة الكفر، أو أنكر معلومًا من الدين بالضرورة، أو كذّب صريح القرآن، أو فسره على وجه لا تحتمله أساليب اللغة العربية بحال، أو عمل عملاً لا يحتمل تأويلاً غير الكفر".

ولدينا كتاب كامل وضعه المرشد الثاني الأستاذ حسن الهضيبي- رحمه الله- يحسم هذه القضية وهو كتاب "دعاة لا قضاة"، بل إن الإخوان الكبار، وكانوا وقتها في السجون يعانون، فصلوا من الإخوان كل من قال بتكفير الناس، ولقد تصدينا لفكر التكفير في السبعينيات ونحن شباب، وحمينا- بفضل الله- شبابًا كثيرًا وشابات من أن يقعوا في هذه الهوة، هذا هو موقفنا، أما ما يُقال من أن الأستاذ سيد قطب كان يقول بتكفير الناس استنادًا إلى عبارات وردت في بعض كتبه، فالفيصل في هذا هو سلوكه وتعامله مع عامة الناس، وهناك إجماع ممن عايشوه أنه كان يعامل الناس أحسن معاملة حتى إن المسجونين الجنائيين والسجانين الذين خالطوه في السجن كانوا يكنون له كثيرًا من الحب والاحترام، وظل بعضهم يتردد عليه في بيته في حلوان بعد خروجه من السجن سنة 1964م، ثم إن بعض كبار الإخوان قابلوه في السجن قبل خروجه وسألوه أسئلة مباشرة عن الموضوع، فنفى لهم تمامًا أنه يقول هذه المقولة، فلا معنى للإصرار على هذه التهمة ونسبتها إليه أو نسبتها إلينا فهذا بهتان عظيم.

كثر الحديث عن اللائحة، وأن بها قصورًا، بل وصل الهجوم إلى حد الزعم أنها معيبة، وأنا أقر بأن بها مواد تحتاج لتعديل، وأن يُعاد النظر فيها من قِبل قانونيين وتنظيميين حتى تأتي مناسبة للظروف التي نعيش فيها، وعلينا أن نعمل بهذا، ولكن حتى نفعل ذلك لا بد أن تحترمها؛ لأن مثلها مثل قانون المرور لو ألغيناه فجأة دون بديل خير منه أو على الأقل مثله، فسوف تتحول الشوارع إلى فوضى تتصادم فيها السيارات، وتكثر الحوادث وتتهدد حياة المارة وممتلكات الناس.

إننا لم نقل قط إن اللوائح وثن يُعبد أو نص مقدس، ولكنها قانون محترم حتى يأتي أفضل منه.


ومما يثير الحزن أن نجد بعض الناقمين على اللائحة الآن كانوا راضين عنها يوم أن جاءت بهم لعضوية مواقع تنظيمية في محافظاتهم، فلما لم يوفقوا في الانتخابات التالية لعزوف الإخوان عنهم صبوا جام غضبهم على اللائحة، واتهموها هي والانتخابات بالتزوير، وهذا موقف لا يليق.

لن يرضى عنا العلمانيون حتى نتبع مذهبهم، ولهم في ذلك سياسة واضحة، وهي أن يظلوا يهاجمون مبدأ من مبادئنا ويقبحونه في نظر الناس حتى إذا انهزمنا أمامهم نفسيًّا، وتخلينا عنه وقلنا فيه مقولتهم تحولوا إلى مبدأ آخر، وهكذا حتى نتخلى عن كل مبادئنا، ونصبح مجموعة من العلمانيين تحت لافتة إسلامية مثلما فعل بعض الناس.

ولكن هذا- بإذن الله- لن يكون وسنمتثل لأمر ربنا ﴿فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (43)﴾ (الزخرف)، وقوله ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ (الأحزاب: من الآية 36)، وسنظل معتصمين بكتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، فهما مرجعيتنا الثابتة والخالدة، وسنظل عاملين لتطبيق شريعة الإسلام وإن عزف السياسيون حتى عن مجرد ذكرها، وليست الجماعة الوطنية كما يزعم العلمانيون هي النخبة التي تربت على أفكار الغرب ومبادئه ولكن الجماعة الوطنية هي الأغلبية العظمى من الشعب الذين يتوقون إلى العيش في ظلال الإسلام بعدله وحريته وحقه ورحمته وتكافله ووقايته للمجتمع من كل المظالم والموبقات.

وإلى إخواننا الذين بعدوا عنا وتركوا العمل معنا سنوات وسنوات، ثم ظهروا فجأة أقول لهم: لا تكونوا مثيري فتنة أو معاول هدم في أيدي آخرين، فإما أن تسعوا بالخير وتنشدوا وحدة الصف وإما أن تصمتوا تنفيذًا لأمر رسول صلى عليه وسلم "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت

وواجب علينا نحن أن نضع حدًّا لفوضى التعامل مع الإعلام والقضاء على شهوة الكلام وحب الثرثرة والظهور في الإعلام بما لا طائل تحته أو بما ضرُّه أكبر من نفعه، حتى لا نترك إخواننا فريسة للمغرضين الذين يضخمون المسائل وينفخون في النار، وواجب علينا أيضًا أن نوجد وسيلة سريعة لإعلام إخواننا بالحقائق حتى لا يقعوا في الحيرة والقلق.

هذه هي بعض دروس الشدة الأخيرة، وردت إلى الخاطر على عجل، وإن كان الأمر يحتاج إلى دراسة أوسع وأعمق حتى نتفادى مثل هذه المواقف، وقانا الله الشر والأذى من النفس ومن الناس والشيطان والأعداء ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ (هود: من الآية 88)، ﴿لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ (النور: من الآية 11)، ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37)﴾ (قّ).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق